الفصل الأخير قصة لـ ... حفصي بوبكر / تونس


من عادته ألا يتورط كثيراً في عالم الكتب. مرات عديدة، يتوقف في البدايات. الحبر لم يعد يراوده، لم يعد يستهويه كما في السابق...
لا يدري لِمَ هذه الرواية أعادته إلى مربعات وإلى مدارات لم تهبْه إلا كثيراً من الهوس والشك وحتى الكثير من المبالغة!؟.. يبالغ فى كتاباته ومقالاته الصحفية، يبالغ في الإحصاىيات أثناء تناوله لنسب البطالة ولحالات الطلاق ولنسب العنوسة، حتى مؤشرات معاهد الإحصاء الراصدة لتطور مؤشر الحلم وتراجعه سلباً، يغيّر من تقديراته وفق مزاجه وبناء علي لحظته النفسية...
المقربون منه نصحوه بجلسات نفسية. وما الضرر في ذلك؟ ولكنه في كل مرة كان يحاول إيهامهم كونه لا يصلح لا للمرض ولا للموت، يصلح فقط لعالم الرواية.

ريح شرقية باردة وعنيفة أجبرته على عدم مغادرة البيت...
هو في مواجهة مكتبة مزدحمة متراصة وغير مصففة.. مد يده وسحب أحد الكتب. تذكر الاسم والعنوان وحتى تاريخ اقتنائه.. كتابا قرأه ولم ينهه...
" اعترافات غايشا " لآرثر غولدن ...
يعرف تماما في أي سطر توقف وبأي جملة تحديداً ..
في الصفحة: 501، عند الجملة التالية، جملة مازالت محفورة في ذاكرته إلى اليوم:
"أتساءل إن كان كل ذلك مجرد وهم ..!!؟"
تأمل الرواية مستحضراً كل شخوصها وصورها الصامتة الناطقة تتراقص داخل مخيلته ..

فكر بإنهاء الفصل الأخير من رواية "اعترافات غايشا" . لكنه تراجع وأرجأ متابعة متعة القراءة على الأقل لسببين :
1- أن يحافظ على احترامه لكل المواثيق والبنود التى عقدها مع نفسه، ألا يتراجع تحت أي ظرف عن أي قرار يتخذه مهما بدا بسيطاً.. يريد أن يكون حاسماً قرارياً لا رجوعياً ، لأنه، باعتقاده، ما جناه من خيبات ليست إلا خيانات كان هو من حاكها ومن نسجها ومن رتب واختار لحظتها.
2- لسبب ثانٍ رئيس؛ كونه يريد أن يدخل فى رهان جمالي وإبداعي مع مؤلف الرواية ذاته، بما أنه عايش أطوارها كاملة وحل به النص إلى حد الاعتقال والمحاصرة.. ثم، لكونها رواية تحريضية-استفزازية و بإمكانها أن تنسف كل ما بناه من قرارات..
فكر بتصور سياقات وخطابات تخصه لوحده. و من بعد إنهاء العمل، سيرى مدى تطابق ما كتبه هو وما ذهب إليه مؤلف الرواية نفسه، أو لربما سيتعرض إلى إبادة جمالية لا تترك له أي محاولة أخرى لخوض تجربة الكتابة...

حركة الستائر لنافذة غرفته كانت غير محايدة، وحبيبات المطر المتكسرة على بلور النافذة شجعته بدورها على مغادرة فضاء الغرفة.. ولِمَ لا...!!
" أمشط أرصفة الشارع، ولو حتى في ساعة متأخرة من الليل..! "
الثالثة والربع صباحا .. ولِمَ لا..!؟
زمن تآمري وبإمكانه أن يسرع من نسق تفكيره واستحضار كل تلك التفاصيل الصغيرة وكل الاعترافات التى ذكرتها بطلة الرواية .. ولِمَ لا يمتلك جرأتها وطاقتها وحتى سحريتها في الحكي !!؟
و إلى أي حد هي تتقاطع وتتصادى مع "ريهام" التى حسمت معركتها العاطفية معه وإلى الأبد!؟.. قررت مغادرة جغرافيا تحتويه، أوقفت عداد التاريخ معه كذلك وإلى الابد!!!...

هو يدرك اليوم وأكثر من أي وقت مضى، كون كثير من الأشياء، وإن أردت نجاحها، لا تجعل قلبك أرض معركة ولا ركح مسرح ابداً. عليك أن تمارسها بمناطق أكثر صموداً وأكثر مداومة وحتى أكثر صبراً.
لا يدري سبباً منطقياً لقراراته الفجائية، لا يذكر مرة أنهى فيها عملاً.. الحياة لا يراها إلا نقاطاً وفواصل وفراغات... تنتظر دائماً شخصاً ما، لحظة ما .. و فرشاة لتنهيها كلوحة ...

صديقه الصحفي، يربت على كتفه يشعره كون موعد العودة إلى مقر الصحيفة التى يرأس تحريرها قد حان.
بقايا سجائر ورماد كثيف تركاه خلفهما ...(.../


حفصي/بوبكر
تونس في _ 9 _ جوان _ 2017
_تمت ._

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تميم سوفت /سوريا

يا حَاديَ ... هيثم قويضي / سورية

بوح الصورة .... بقلم نبيلة طه / سوريا