يوميات رمضان 24" المرأة التي هوت"... وليد عرفات العايش/سوريا




يومٌ اِشتاقَ لخاتمته، أرهقهُ طول الدقائق، وتثاؤب الساعة المكوّرة، اِحتفظ لنفسه ببعضٍ مِنَ القوّة كي يبقى على قيدِ الحياة، بدأتْ شمسهُ تميلُ كما عذراءَ على كتفِ حبيبها، لم يكن ( أسعدُ ) يحمِلُ منْ اسمهِ سوى ذاكَ اللقبْ، انهمكَ طيلةَ ساعاتٍ بعملهِ  الشاق، لمْ يتبق لهُ سوى طريق الرجوع إلى شريانِ بيتهِ القابعِ في زقاقٍ ضيقْ ( لابدّ أنْ أشتري حاجياتِ اليوم، وإلاّ ... ) قال لنفسه وهو يبتسمُ في كُمِّ قميصهِ , وصمتْ ... اِرتدى ثيابَ العودةْ، قبلَ أن يحتسي أجرة أسبوعٍ ويومينِ مِنَ العمل، هُناكَ السوقُ بانتظارِ النقود الشهيّة ، ورغداء تنتظرُ هي الأخرى، تُرى مَنْ سيفرحُ أكثرْ،  تساءلَ لمراتٍ، انتعلَ حذاءه اليتيم، وغادرَ المكانَ صاغراً ... كانَ السوقُ يعِجُّ بمنْ هبَّ ودبْ ، حاجياتٌ وأُناس، نساءٌ ورِجال، اِنتبهَ أسعد إلى تلكَ الفتاةِ الطويلة القوام،  جميلةٌ بما يكفي لتُثيرَ كلَّ ما لديه، لم تتجاوز العشرين، هكذا بدَتْ وهو يرمِقُها بنظراتٍ مُرتعشةِ ( هذه هي النساء وإلاّ فلا، تلكَ القصيرة قضتْ على مستقبلي ) تلفتَ حوله، كان يسخر منْ نفسهْ، ورُبّما منْ حظّهِ الذي دَفعهُ إلى حُضنِ رغداء ، اشترى حاجياتهِ الأسبوعية ، لمْ ينس شيئاً ، لا يجرؤ أنْ ينسى ، الحِمْلُ ثقيلٌ عليه , لكنّه لا يُحبُّ التبذيرْ ، فتّشَ جيوبه قبلَ أن يُغادرَ السوق ، ثلاثُ مائةِ ليرة ونيفْ , كانتْ جامدة كما صقيعِ كانونْ ( يا إلهي ... أفقطْ هذا ما تبقّى لديّ ، ماذا سأقولُ للقصيرة ، لنْ تُصدّقني ... ) كلماته كانت تشارفُ على الانتحار في جوفه ، لكنْ لا مَناصَ من العودة ، حملَ كلّ أشياءهِ , وانطلقَ صوبَ البيتِ الذي مازالَ قابعاً على ضِفّةِ النهرِ الخائفة ( حتى أنتِ أيتُّها الضفّة تخشينها ، تجاوزَ آخر مُنعطفٍ , بدأتْ أطرافه ترتعدُ ، هو البرد الذي يأتي في مثلِ هذا الوقتِ منَ السنة ، ضَحك أكثر , وتابعَ بخطواتٍ كادت أن تتكلّمَ عنه ، لملّم بقايا قوّته في لحظاتْ ، وضعَ حاجياته أمامَ الباب ، هلْ كانْ يعِدُّ إلى العشرةْ ، ( لا ... لا تكفي ... يحتاجُ أكثرَ منْ ذلك ، قرأ آية الكرسيّ ثلاثَ مراتٍ ، أتبعها بالمعوذاتْ ، وقتذاكَ كانَ صوتهُ مسموعاً...
-  ما بِكَ يا أسعد ؟ ...  قفزَ قلبه كعصفورٍ أحسّ ببندقيّةِ الصياد تتوجهُ نحوه ، جاره الأشقرُ كانَ يُراقبهُ ويَضحكْ , فهو يعلمُ ما في العلنِ , وكلّ ما في السرّ ، البابُ كان موارباً لمْ يشأ الجارُ أن يفتحه كي لا يلجَ البردُ باندفاعتهِ العاتية ْ...
- لا شيء ... لا شيء ... خليكْ بحالك ... قالَ مُتجهماً كما غُرابٍ أسودْ ، نعمْ إنّه أسودْ ، فثلاثمائةِ ليرة لن تدَعْهُ يَفلِتُ منَ العقابْ ، لكن ماذا يفعلْ , إنْ كانَ السوقُ فاغراً فاهُ , يبتلعُ الأخضرَ واليابس ... طرقَ الباب بهدوءِ العالمِ كُلّه ، فتحتْ الحسناءُ القصيرة ، لم تكن ترتدي حِجابها ، شعرُها الأشعثُ ينتظرُ على قمّةِ رأسها - تأخرتَ كثيراً , أينَ كُنت لهذا الوقت ... 
- في السوق ... في السوق ... اشتريتُ كل ما أوصيتني عليه... انظري ... ساعديني كي أُدخلها إلى المطبخ
- ألاّ ترى بأني لا أرتدي حِجابي ... أما زِلت أحمقاً أيّها الرجل .... 
رُبّما كانت مِنَ المراتِ النادرة التي تنعَتَهُ بهذا الوصفْ ، أسعدُ أصبحَ الآنَ أسعد ... كلّ الحاجيات حطّتْ رِحالها في المَطبخ ، تنهّدَ قليلاً ، لكنَّ العاصفة  في الخارج بدأتْ تشتدُّ بشكلٍ مُريب
-  أعطني ما تبقى من نقودٍ لديك... 
 اِمتدّتْ يدهُ إلى كُلِّ جيوبه ، لكنّه في النهاية لم يُخرِج  سوى الثلاثمائة  ليرة ، أخرجها بتؤدةٍ وخوف ، دفعَ بها إلى رغداء ، رمقتْ النقود , ثُمّ رمقتهُ ...
- أهذا كلّ ما معكْ ...
-  صرفتُ الباقي في السوقْ , اشتريتُ كلّ هذه الحاجيات , وحملتها كما الحمار في عزِّ الحرّ ...
 صفعتّهُ بالنقود ، وانطلقتْ تبحثُ عن عصا ( نشافة مدببة الرأس !!! ) كانتْ تُخبئها لمثلِ هذه اللحظة ,  عادتْ تحملُ عصاها ، كان صُراخُها يسبِقُها ، فوقَ البابِ وجدتْ ورقةً بيضاءَ صغيرةْ ، تعرِفُ خَطَّ  زوجها المُخربش ، قرأتْ في الورقة كلمةً واحدة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تميم سوفت /سوريا

يا حَاديَ ... هيثم قويضي / سورية

بوح الصورة .... بقلم نبيلة طه / سوريا